أَلشهيدُ يُحاصرُني كُلَّما عِشْتُ يوماً جديداً
|
ويسألني: أَين كُنْت ؟
|
محمود درويش
دفاتر البلديّة ..
سجلاّت الرّاحلين .. شهائد الوفيات و القبور البيض الوحيدة .. الآنسة دوننا .. و
أسماؤهم .. مخارج الحروف في نطق أسمائهم .. ستقتلنا .
قطرات دمهم و بركه
.. على رصيف شارع أبى أن يطلى مجددا .. على جدران المدرسة .. على دمية البنت .. و
على بدلة الخائن الموسّم .. ستقتلنا .
بريق عينيّ
أبنائهم و أحفادهم .. و من عرفوهم .. و من تركوهم .. و من سمّوا على أسمائهم .. و
الذكريات التي لم تجد ما يكفي لترسم .. و مشنقة تعلّق لوطن خان بسمة طفل في
الرابعة .. ستقتلنا .
و قسم أب و دمعة
أمّ لم تجفّ .. و رسائل حبيبة لن تصل أبدا .. و الكرسي الشاغر على طاولة الإفطار
.. و التهنئة التائهة صباح العيد .. ستقتلنا .
عيد الثورة .. و
الأوسمة و النصب التذكارية .. و تحيّة الشهداء و أمهاتهم و أراملهم في افتتاح كل
مؤتمر و مادبة و عرس و عزاء و برنامج طبخ تلفزي .. و ذكرى 9 أفريل كاذبة أخرى .. ستقتلنا .
و الفصول التي
مرّت و لم يشهدوها .. و الأقلام التي كتبت عنهم ..و الكامرات التي لم تعرفهم يوما
و حفظت ملامحهم عن ظهر قلب .. و الساحات التي غيّرت أسماؤها بعدهم و الحكومات التي
جاءت باسمهم .. و مكاتب الوزارات التي فتحت .. لتفتح ملفّاتهم .. و الكذب .. كلّ الكذب الذي حوّلهم رقما أو
قصيدة أو موضوع اجتماع عام أو رسما على جدار أو شعارا باهتا في مظاهرة بائسة .. سيقتلنا .
و يأس الرجال
الحمر .. و ذكريات الزنزانة .. و أغاني الثورة في كل زقاق في العالم .. ستقتلنا ..
و لن نمــوت ..
لأن المـــوت أعظم من السير إليه .. بقلوب رخيصة .