lundi 18 mars 2013

أسبوع في تونس



بشر نحن .. بعض من طاقة كامنة .. و يحدث أن نستنفذ ذات صراع يومي مع الرداءة ..
و يحدث أيضا أن يصادفنا لحن تائه قادم من أحد أصقاع الذاكرة .. نضيف إليه كلمات لدرويش لم تستهلك بعد .. و نصنع فرحا و لو وقتيا ..
فرحا بمولود نزل للتو .. و ما زال أمامنا الكثير : أن نعلّمه الكلام ، الغناء ، الرقص .. المعارضة
سنعلّمه كيف يحب الألوان .. و يكره السواد ..
و يصنع أحلامه حلما حلما .. إلى أن تكبره حجما ..

هنا تونس شمال خارطة الفقر .. في أقصى عوالم الحب الأبدي و الفرح الممزوج بعرق الكادحين ..
حيث الثورة حطّت الرحال ، أطالت الإقامة حتى صارت ضيفا ثقيلا ..

هنا تونس .. حيث مازالوا يحلمون ..

الطقس ربيعي مهادن .. الحركة عاديّة .. الوجوه ذاتها
محطة القطار تثرثر دون معاني واضحة ..
و يحدث أن يحلّ شبان بالمكان .. يرتدون ملابس ملوّنة ، محملين بآلات إيقاع و غيثارة .. قبعة مقلوبة على الطريقة الأوروبية و بطاقة ورقية " صدقة لبناء ثقافة " تضعنا في الإطار .
و علا ضجيجهم يعيد الحياة إلى المكان ..
يراقبونهم من داخل القطار .. من على الرصيف .. بتعجب
لا خوف لا رعب الفن و الشارع ملك الشعب !
أعين تحملق بإستغراب .. أخرى بحبّ .. و عاملة النظافة ترقص على إيقاع جنونهم الملوّن .. بلون الحلم

هنا تونس .. سوق أسبوعية ..و الرقصة تستكمل هناك ..
وسط الباعة و العابرين .. شبان آخرون يتداولون على رسم البسمة على وجه اليوم المشمس بأجسادهم ..
آخرون يبتكرون رسما آخرون .. أطرافهم تكوّن ملامح اللوحة .. اللون الرمادي يغلب على الصورة .. و رائحة الكريموجان تتصدّر العمل الفني .. و الرقصة تستكمل و لا تتوقف أبدا ..
شعب لا يرقص .. شعب لا يثور . و نحن  نعطي دروسا في طقوس الثورة ..

هنا تونس .. سينما للسلام ربما .. و المؤكّد أنها للمقاومة ..
شارع باريس يحتضن شروق الفكرة دائما .
عروض يومية .. أشرطة وثائقية تفتح جروحا من أركان مختلفة من العالم ..
 صور لأشخاص نعرفهم .. اعترضونا في حلم ما .. لا زلنا نحفظ ملامحهم جيّدا .. و ندرك أننا سنرافقهم في طريق العودة ذاتها
و آخرون نتعرّف عليهم .. سنلتقي في شريط قادم .. لا تبتعدوا !
وراء الأفلام شبّان أيضا .. يؤمنون بأن السينما تذكرة الشعوب إلى ما وراء الأفق ..
و مع كل نهاية شريط .. و بينما تمرّ الأسماء على الشاشة  .. يبتسمون ..
" سننام أقل جهلا هذه الليلة .. "

هنا تونس .. الشمس تبتعد ببطء .. تختبىء وراء السحب .. تحمرّ وجنتاها .. تشابه الأفق
سترحل قريبا ..
صوب مركز ثقافي .. عبر الأزقة البيضاء للمدينة العربي .. عرض موسيقي في حضن الحضارة .. أين الجدران تروي قصصا من عبروا من هناك .. منذ فجر اللحن الاول ..
ندخل .. يعترضنا صحفي غليظ : ما رأيكم بهذه الموجة الجديدة المسمّاة بالموسيقى البديلة ؟
هي ليست موجة  سيدي .. هو سيل سيجرف كل التكرار .. سيمحي كل التشابه في الصورة ..
سيترك وراءه أرضا خصبة صالحة لزراعة أفكار تثمر .. لا عقولا بتشوهات خلقية تآكلها الصدأ
هي ليست بديلة سيدي .. هي الحقيقة .. و البقية كذب و هراء و تجارة خاسرة .. مفلسة كعقول نافثيها
عود عراقي و غيثارة تونسية ..
نسمات الرافدين تصل إلينا .. تحت سماء تونسية
قلوب متعطّشة للفن .. فمن السياسة ما قتل ..
غنّوا ..للحريّة ..  للحب .. للإنسان .. لعلّه يصل يوما إلى الإسقاط الطغيان .. كل الطغيان .. بعد الطاغية
الموسيقى ديناميت الشعوب ..
شعوب تجيد الإستماع .. تتذوق .. شعوب لا تموت .. و لا تقتل
شعوب تخوض معاركها معهم .. و تنتصر .. لترفع علمها الملوّن عاليا .. في عقر دار الرّداءة

هنا تونس .. أقرب للبحر هذه المرّة .. " دار عربي " و عرض انتظر طويلا ..
رأس عنيد .. يصدّر الأفكار .. إكتشاف نعيد إكتشافه ..
كم كنت أكره الرّاب قبلهم ..
قصّتنا الطويلة العريضة .. من " طأطأ لسلامو عليكو " .. تبرز ملامحها من أغنية إلى أخرى ..
مساحة واسعة للتفكير .. و لإعادة التفكير .. و لطرح الأسئلة
لا تتعجلوا .. الإجابات ستأتي يقينا .. ذات يوم
كلمات من لبنان الدنيا .. و موسيقى إلكترونية
كمّ من حب الحياة .. و من الثورة .. و جدران تجيد إستقبالهم .. تصطبغ برجع صدى أصواتهم قبل أن يصلوا حتّى ..

هنا تونس .. تكتمل الصورة ..
أسبوع يمرّ .. بصيص أمل يكمن في كل حرف و في كلّ صورة ..
هنا تونس .. نعيد بناء الثورة .. على قاعدة صلبة هذه المرّة .. بألوان لا تزيلها أمطار الشتاء و لا يخيفها الأسود ..
بالقليل صوب المستحيل ..

هنا تونس .. حيث سننتصر .. 




samedi 2 mars 2013

رقصة مبللة



الطقس ممطر في الخارج ..
المطر .. نقطة ضعفها .. جذور لندنية ؟ ربّما ..
المطر مخلوق يدفعها إلى البوح ..
جنون ليلي عادة ..
تغدو طفلة فجأة بلا شيء تخسره
تطيل النظر من النافذة .. ذاكرة متواطئة .. و عابرون بسرعة ..
لا يتركون لأنفسهم برهة ليتجردوا من الإضافات تحت المطر ..
ليجربوا الطفولة الأولى مجددا .. لبرهة ..
تسريحات الشعر .. و خوفهم المفرط يرفعان من دخل بائعي المطاريات على قارعة الطريق ..

في هدوء يرفع عينيه إليها ..
يتأملها ..
تتأمل الشارع من النافذة ..
الطابق الثالث .. و الإمتياز الوحيد .. مشهد أعلى .. ذات مطر .

لا يرفع عينيه عنها ..
ينطلق صوتها .. يقلص المسافة إليه ..
" و الرصيف محيّر .. و الشارع غريب "
الجميع يحبون صوتها .. يؤنس عادة .. و يؤلم أحيانا
ككل الأصوات التي لا تغني سوى بالعربية

تعيد المقطع مرّات عدة .. لا تترك له المجال لينبس ببنت شفة
صوت داخلي " لا توقظها .. تهدهد الذاكرة هي .. علّها تنام "

قبل عام من الحلم .. كانت تقرأ له شعرا لينام .. و كان يحفظ نصوصها يرددها كتلميذ نجيب مع كل صباح الخير ..
و يحفظها .. تقاسيم وجهها الطفولي .. سمرتها التي تقطر ذاكرة ..
و وشاحها الوردي الذي لا تحب غيره ..

كلمات في أول صفحة لكتاب أهدته إياه .. كتاب عن مناضل في المنفى .. صفحته الأولى تطفح حبّا ..
و الثوريّ الحقيقيّ لا تقوده إلاّ مشاعر الحب الكبيرة"

رائحة البحر .. أصواتهم ملء الكون ..
شكلاطة يتقاسمونها على الرمال .. كأحلامهم التي لا تعرف حدودا ..
يومها أخرج تذكرة العرض من جيب سترته السوداء .. رسم بسمتها عريضة .. تصل الأفق
وعدها أن يرقصا على أنفاس ليالي الصيف .. حتى تتعب

يبحث عن نص لدرويش لم يستهلك بعد .. ليبدأ به السهرة .. يبحث ..
و يجدها نامت كالأطفال .. قبل أن يصل القافية حتى ..
ستستيقظ و يأخذها إلى المدينة العربي .. سيدعوها لتشرب شايا رخيصا .. و تغنّي ..
و تسير إلى جانبه في الأزقة البيضاء .. ليصنعوا الخبز و الأغنيات ..

سيتركها هناك لبعض الوقت ..
يمارس هوايته في الحبيب بورقيبة
بعض الشغب .. شعارات تشبهه ..
يخيفها قليلا .. ينتظر هاتفه ليرن .. لتسأل أين هو .. ولّى زمن الثورة فليعد إلى المنزل ..

في المنزل ستنتظره ..
سيسمعان الجاز .. معا ..
و تغني له .. لينام

الطقس ممطر في الخارج ..
الأغنية لم تنته بعد ..
الشارع فارغ .. الليل يكاد يحط رحاله ..
و بدأت تبرد ..
تلتفت لتمسك بيديه .. تتدفء .. يمدّها بالحياة
و لا تجده .. الغرفة باردة .. قاتمة
" و يروح و ينساها .. و تتبل بالشتي .. "