lundi 1 juillet 2013

مليــون حاجة .. و حاجة


http://www.youtube.com/watch?v=He4CTDTq_04

كم يحتاجون من عمر آخر ليدركوا أن لاشيء يدوم طويلا و إلى الأبد .. و أن كل شيء زائل و حتى الكرسي الخشبي الفاخر قد يتكآل يوما و ينهشه النمل .. و التّاج سيصدأ مهما طال الجفاف .. سيأتي المطر من أرض أخرى يغرقه .. و يصدأ ..

كم يحتاجون من عمر آخر ليعرفوا أن أقدامهم ستستقيل يوما .. و لن تعود قادرة على أن تحملهم ليحيّوا الرعية .. و يبتسموا في وجهها عريضا .. ابتسامة بلا لون و لا حتى بقيمة ضوئية .. هي ليست إبتسامة أصلا .. هي شيء غبيّ من ابتكاراهم . و حتى الرعيّة ستسأم يوما من لعب دور ليلى .. و ستغدو الذئب.

كم يحتاجون من عمر آخر ليعتبروا من الحكمة في قصص الأطفال ، و من صور سابقيهم تزال – بزغاريد – من على جدار حانوت خضّار الحارة .. و من على اللافتات العملاقة .. عملاقة بحجم خيباتهم .. تتصدر شوارع " البيئة " ، تلك التي تتجاوز كل شوارع المدينة مجتمعة ، عددا .

كم يحتاجون من عمر آخر ، ليعيدوا مشاهدة كل أشرطة الكرتون على أقراص ديفيدي .. حتى يدركوا أن الأشرار ينالون أشد عقاب و ينتصر الخيّر في النهاية ..هذا ما يعلّمه الكائن البشري لنسخته الصغيرة كي تواجه الحياة .. فكيف يكون أبا كاذبا في آخر المطاف.

كم يحتاجون من عمر آخر ، حتى نجد صورهم الصفراء بشعر أشعث و ملابس مهترئة يركضون في أزقة حارة ، و يتشاجرون على قطعة حلوى .. و أكبر أكبر أحلامهم أن يركبوا دراجة و يدوروا بكل الحي عليها .. و صورهم في عقر الجامعة ثوريّين بأسماء مستعارة أو مجتهدين بنظارات ضخمة أو عاطلين عن الحلم ، و عن الدراسة .. و كل منهم يعلم أنّ من يحكم قد أكل الجزء الأكبر من رغيفه ، قطع مساحة من شهادته الجامعية ليتعلّم عليها الكتابة و سرق كل مرتّبه الهزيل .. آه لا ترك منه قليلا .. ليدفع به أداء له .. هو من يحكم .

كم يحتاجون من عمر آخر ، لتولد لهم في أقبية قصورهم أمنيات كتلك التي ولدنا بها .. وطن أجمل ، متحضّر ، متقدّم ، ياباني ..
وطن بلا فقر بلا جهل بلا أمية .. وطن حقيقي .. لا أشلاء نلملمها و نتوسّدها كل ليلة .. كم من عمر آخر ، يحتاجون لتتشكل في رؤوسهم الصغيرة صورة وطن .. لا إسطبل .. صورة وطن .. لا حضيرة و راعي يقضّي اليوم نائما ..

كم يحتاجون من عمر أخر ليدركوا أن الرّعية ستجد كيف تصبح ذئابا و تلتهمه .. و تجرفه .. بكل لطف .. و في سلميّة .
كم يحتاجون من عمر آخر ، ليدركوا أن الشرعية إن لم تكن صادقة و لم تقسم بعرق الفلاحين .. ستغدو أشرعة مركب مهترىء سيحملهم إلى ظلمة أبعد .

و كم نحتاج من عمر آخر ، لندرك أننا يجب أن نكون أصلب أحيانا كي لا نكسر .. كي ندرك أننا لم نخلق لنكون ليلى و لم يولدوا ليكونوا الذئب .. و لم يكتب نشيد الوطن ليكون فرصتنا حتى نصل متأخرين قليلا عن حصّة صباحية مملة .
كم نحتاج من عمر آخر ، لنوقن أننا مختلفون و منقلبون و منسلخون و منتكسون .. و مغتربون عن الذاكرة ..و منكسرون .. و لكننا أحيانا نصحو مفزوعين و نصرخ و نكتب و نغني و نجتمع و نتملين و نطردهم .. و من ثمة نعود لنغفو .. و ننصّب ذئابا أشرس .. في هيأة ليلى ..
كم نحتاج من عمرآخرا ، لنحمل في أعماقنا حقدا على من آذانا ، و آذى الأرض .. و نؤمن بأن أيدي تعبق منها رائحة الدم .. لا تزرع وردا في عيد الشجرة .. و لا تتوب في الأعياد و لا في رمضان ..

كم نحتاج من عمر آخر ، لنقرّ بأن الوهن بشري لكن الإستسلام صفة من بلّور .. لنقرّ بأنّا لن نجتمع سوى في وليمة زفاف أو في مأتم .. و كلاهما عابران .. و الجبن هو الباقي .

كم نحتاج من عمر أخر ، لنفتح كتب التاريخ ، و كتب الأدب العربي و نفتح أعيننا كما أفواهنا .. قبل أن نقرر أن نفتح بيت المقدس ..

و لهذا كلّه سنصلي لله طويلا ، ليقينا شرّ الحاجة أو يقصّر في الأعمار .